الفصل 276: باب أسود
قاد الممر المخفي صاني إلى تحت الأرض، ملتفا و منعطفا عبر كتلة الحجر. على الرغم من أنه كان يمشي بحذر إلى الأمام لبضع دقائق الآن، شعر صاني أنه لا يزال تحت الكاتدرائية. في الواقع، حسب تقديره، أصبح يقترب من مركزها.
وبالفعل، أسفل المكان الذي كان من المفترض أن يكون فيه تمثال الطاغوت بالتحديد، انفتح الممر الضيق على غرفة أكبر. فيها، تواجد بئر عميق يؤدي إلى مسافة أبعد أسفل، مع درج متعرج ينزل إلى الأسفل في الظلام.
عبس صاني.
‘ما علاقة هذا المكان و الآبار المظلمة المخيفة؟’
النزول إلى مسافة أبعد كان سيضعه بالقرب بشكل خطير من سراديب الموتى. إنه يعرف جيدًا نوع الخطر الذي قد يشكله ذلك – في المرة الأخيرة التي غامر فيها صاني بالدخول إلى متاهة الأنفاق القديمة أسفل المدينة، بالكاد نجا حيًا.
بعد التردد لفترة من الوقت، خطا على الدرج وبدأ في النزول. أحاطت ظلال عميقة قديمة بصاني، مما منحه القليل من الراحة.
على الأقل ظل بين أقاربه.
بعد دقيقة أو نحو ذلك من النزول على الدرج، دخل صاني غرفة كبيرة بدت وكأنها محفورة في الصخر، على عكس أنها مبنية بيد بشرية. على الجانب الآخر منها، كان هناك باب كبير مصنوع من الفولاذ الأسود، مضاء بشعلتين مشتعلتين.
فكرتان خطرتا في ذهن صاني في وقت واحد.
الأولى هي أن المعدن الذي صنع منه الباب المتجانس بدا مألوفًا بشكل مخيف. لقد كان نفس السبيكة الداكنة عديمة اللمعان والتي لا يمكن اختراقها والتي صنع منها الفارس الأسود.
وكانت الفكرة الثانية أكثر إثارة للقلق.
‘…كيف لا تزال هذه المشاعل مشتعلة؟’
هل كانت مشتعلة لعدة آلاف من السنين؟
بالتفكير في الأمر، بدت المشاعل غريبة جدًا. بدا أنها تنتج الضوء، لكنه كان شاحبًا وشبحيًا. لم تكن هناك حرارة تأتي معه أيضًا.
ومع ذلك، كانت الظلال التي ألقتها النيران الشبحية هي الأكثر إثارة للقلق. بسبب تحركات النار، كان من المفترض أن ترقص على الأرض. ولكن بدلاً من ذلك، ظلت الظلال بلا حراك على الإطلاق. إن الأمر كما لو أن ضوء المشاعل قد حاصرها و أصابها بالشلل بطريقة ما.
فكر صاني لفترة من الوقت، وأمر ظله بالبقاء في الخلف. لم يحتج الظل، بل في الواقع، أصبح مرتاحًا بشكل واضح. متراجعا بضع خطوات مبالغ فيها إلى الوراء، اندمج مع الظلام العميق عند مخرج الدرج وانتظر هناك، ناظرا بعصبية إلى الظلال الغريبة الساكنة من وقت لآخر.
اقترب صاني بحذر من الباب الأسود وأنزل شظية منتصف الليل إلى وضعية وقائية. كان مستعدًا لمواجهة أي نوع من الخطر.
…ولكن لم يهاجمه شيء.
الشيء الوحيد الذي حدث هو قشعريرة مفاجئة مرت عبر جسد صاني عندما دخل دائرة الضوء التي ألقاها المشعلان الشبحيان.
‘هذه المشاعل… إنها بالتأكيد نوع من الطلسم الوقائي. أنا على يقين تقريبًا من أن قوتها يمكن أن تلحق الضرر حتى بالظلال.’
لكن السؤال الذي كان عليه أن يطرحه على نفسه هو — هل كان المقصود من المشاعل منع شيء ما من دخول الفضاء المختبئ خلف الباب الأسود…
أم أنها كانت تهدف إلى كبح شيء ما في الداخل؟
حسنًا… لم تكن هناك سوى طريقة واحدة لمعرفة ذلك.
ما كان يفعله صاني بدا مجنونًا تمامًا. ولكن في الواقع، لم يكن كذلك. لم يأتي إلى هذه الغرفة الموجودة تحت الأرض لمجرد الفضول العاطل أو بسبب الجشع و احتمال العثور على الكنز.
ما قاده إلى هنا ودفعه لدراسة الباب الأسود هو حدسه.
بحلول الآن، أمسى على صاني أن يعترف بأن حدسه كان أكثر من مجرد مظهر من مظاهر عقله الباطن. لقد تبين أنه صحيح مرات عديدة.
خاصة منذ أن استهلك قطرة الإيكور.
بعد ذلك اليوم، أصبح قادرًا على الشعور بحضور الطاغوتية. و في بعض الأحيان، كان ينجذب إليها حتى، كما كان منجذبًا إلى هذه الكاتدرائية وإلى المفتاح الغامض المدفون في جسد لورد الموتى. يبدو أن الاثنين متصلان…
و شعر صاني أنه على وشك معرفة كيف و لماذا.
ولكن لم يكن هذا كل ما يستطيع حدسه فعله. كانت هناك جوانب أخرى لذلك أيضا.
في الواقع، اشتبه صاني في أن الأمر يتعلق بسمة [مقدر] الخاصة به أكثر من علاقته بـ [شرارة الطاغوتية.] لو كان له أن يخمن، لقال إنه بعد أن تم تغييره بواسطة الإيكور، تم تعزيز تلك السمة قليلاً، مما منحه القدرة على الشعور بالارتعاشات الدقيقة التي تمر عبر خيوط القدر من وقت لآخر – الخيوط التي كانت، على ما يبدو، ملفوفة بإحكام حول جسده.
مزيج التغيير الذي حدث لعينيه وعلاقته الوثيقة بتلك الخيوط أعطى صاني تقاربًا طفيفًا مع الوحي و القدر – مشابه لذلك الذي امتلكته كاسي، لكنه أقل قوة بلا حدود.
ظل ذلك كافياً أن يرشده إلى هذا الباب، و يجعله يرغب في فتحه، رغم ذلك.
بعد أن اقترب من الباب الأسود المتجانس، حدق صاني فيه وتوصل إلى استنتاج مفاده أنه حتى جيش بأكمله لن يتمكن من اختراق هذا الحاجز الوحشي.
ومع ذلك، إن هناك ثقب مفتاح صغير مخبأ على سطحه المظلم.
ساحبا الخيط المربوط حول رقبته، خلع صاني المفتاح المعدني الصغير الذي كان معلقًا عليه وأمسك به بإحكام في يده.
بعد تردد لبضع لحظات، أدخل المفتاح بعناية في قفل الباب الأسود.
…إنه مناسب تمامًا. بمجرد أن وضع صاني المفتاح في القفل، أصبح ضوء الطاغوتية الخافت المنبعث فجأة أكثر سطوعًا قليلاً.
تنهد صاني، ثم استعد و أدار المفتاح.
نقر شيء ما داخل الباب المعدني، ثم انفتح بصمت. تمايل الضوء الشاحب للمشاعل الشبحية، كما لو كانت تحركه رياح أخرى.
خلف الباب، كانت هناك غرفة صغيرة محفورة في الصخر.
وفيها، جثة ترتدي عباءة داكنة مقيدة بالسلاسل على الأرض داخل دائرة.
لم يتمكن صاني من معرفة ما إذا كانت الجثة تعود لرجل أم امرأة، لأنه كان هناك قناع غريب يغطي وجهها.
كان القناع مصنوعًا من الخشب المطلي باللون الأسود ومنحوتًا ليشبه وجه شيطان شرس. كانت أسنانه مكشوفة، و أربعة أنياب تبرز من فمه. توج القناع بثلاثة قرون ملتوية.
داخل الهوة السوداء لعينيه، لم يكن هناك سوى الظلام المطلق.
******
قمت بتغيير كلمة الألوهية = الطاغوتية